دار الأرقم تفسير تفسير الاستعاذة

تفسير الاستعاذة

أَعُوذُ بِاللَّه مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ

تفسير ابن جرير الطبري

تأويل قوله <<أعوذ>> .
والاستعاذة الاستجارة.
وتأويل قول القائل: <<أعوذ بالله من الشيطان>> : أستجير بالله دون غيره من سائر خلقه، من الشيطان، أن يضرني في ديني أو يصدني عن حق يلزمني لربي.
تأويل قوله: <<من الشيطان>>. والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس و الدواب وكل شيء. ولذلك قال ربنا جل ثناؤه: ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَٰطِينَ الإِنْسِ وَ الجِنِّ ) [الأنعام: 112] فجعل من الإنس شياطين مثل الذي جعل من الجن.
وقال عمر بن الخطاب رحمة الله عليه، وركب بِرْذَونًا فجعل يتبختر به، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا، فنزل عنه، وقال: ماحملتمونى إلا على شيطان، مانزلت عنه حتى أنكرت نفسي.
حدثنا بذلك يونس بن عبد الأعلى، قال أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر (1) . قال أبوجعفر: وإنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانا؛ لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه و أفعاله، وبعده عن الخير. وقد قيل: إنه أخذ من قول القائل: شطَنَت داري من دارك. يريد بذلك: بعدت. ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان:

نأت بسُعَادَ عَنْكََ نَوًى شَطُونُ فَـبَـانَتْ و الـفـؤاد بها رَهيـنُ

والنَّوَى: الوجه الذي نوته وقصدته. والشَّطُونُ: البعيد. فكأن الشيطان على هذا التأويل فَيْعَالٌ من: شَطَنَ. و مما يدل على أن ذلك كذلك قول أمية بن أبي الصلت:

أَيُّـمَـا شـاطِــنٍ عَـصَـاهُ عَـكَـاه ثم يُلْقَى في السِّجْنِ والأَكْبَالِ

ولو كان فَعْلانَ من: شاط يَشِيطُ لَقَال: أيُّمِا شَائطٍ. ولكنه قال: أَيُّمَا شَاطِنٍ؛ لأنه من: شِطَنَ يِشْطُنُ، فهو شاطنٌ.

تأويل قوله: <<الرَّجِيمِ>>.
وأما الرجيمُ فهو فَعِيلٌ بمعنى مفعول، كقول القائل: كفٌّ خضيبٌ، ولحيةٌ دَهِينٌ، ورجل لعينٌ. يريد بذلك: مخضوبة، ومدهونة، وملعونٌ. وتأويل الرجيم: الملعونُ المشتومُ. وكلُّ مشتوم بقولٍ رَديءٍ أو سبٍّ فهو مرجوم. وأصل الرجم الرميُ، بقولٍ كان أو بفعلٍ.ومن الرجم بالقول: قولُ أبي إبراهيمَ لإبراهيمَ صلواتُ الله عليه: ( لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لَأَرجُمَنَّكْ ) [مريم: 46] وقد يجوز أن يكون قيل للشيطان: رجيم؛ لأن الله جل ثناؤه طَرَدَه من سماواته، ورجمه بالشهب الثواقب.
وقد رُوي عن ابن عباس أن أولَ مانزل جبريلُ على النبي صلى الله عليه وسلم علمه الاستعاذة.
حدثنا أبو كُرَيْبٍ، قال حدثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدثنا بشرُ بن عُمارَة، قال: حدثنا أبو رَوْقٍ، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال أول مانزل جبريل على محمد قال: يا محمد استعِذْ، قل: أستعيذُ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) [العلق: 1]. قال عبد الله: وهي أول سورة أنزلها الله على محمد بلسان جبريل، فأمره أن يتعوذ بالله دون خلقه.